أخفق مجلس القضاء الأعلى مجدداً في تعيين محقق عدلي رديف في ملف انفجار مرفأ بيروت، وعزز الاجتماع الذي عقده أمس في مقره حالة الانقسام بين الأعضاء، بسبب الخلاف الحاد على اسم القاضية سمرندا نصار التي اقترحها وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري لهذه المهمة.
وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر مقربة من مجلس القضاء، أن "الاجتماع الذي التأم على مدى ساعتين، بقي في سياق التشاور، وأن رئيس المجلس القاضي سهيل عبود لم يفتتح الجلسة رسمياً ولم يطرح الموضوع على البحث طالما أن المواقف لم تتغير". وأشارت المصادر إلى أن القاضي عبود ومعه عضو المجلس عفيف الحكيم "يرفضان القبول باسم نصار، مقابل إصرار أربعة أعضاء آخرين هم حبيب مزهر، داني شبلي، إلياس ريشا وميراي حداد على تعيينها".
وشددت على أن "الاجتماع الذي استغرق ساعتين بقي بإطار محاولة كل فريق بإقناع الآخر برأيه، لكن مع تصلب كل بموقفه لم تفتتح الجلسة وانفض الاجتماع على الاختلاف بالآراء، من دون تحديد موعد لجلسة جديدة للبت بهذا التعيين".
وأفادت المصادر القضائية المقربة من مجلس القضاء، بأن رئيس المجلس "ليس لديه بالمبدأ أي موقف سلبي ضد القاضية نصار ولا يشكك بمهنيتها، لكن انتماءها السياسي النافر (للتيار الوطني الحر)، لا يسمح له بالقبول بها، وأنه يصر على تسمية قاضٍ محايد يتعاطى مع هذا الملف الدقيق والحساس بكل تجرد"، مشيراً إلى أن الفريق المؤيد لتعيين نصار يذكر بأن "وزير العدل استشار ثمانية قضاة تتوافر فيهم الصفات المشار إليها لكنهم رفضوا هذه المهمة، وأن اختيار القاضية نصار التي تتمتع بالمناقبية والمهنية والأخلاقية، جاء بعد موافقتها على تحمل هذه المسؤولية، ولم يجر اختيارها لأسباب سياسية". ولا يرى أعضاء المجلس الأربعة أن "مزاعم الميول السياسية لهذه القاضية سبب مقنع لاستبعادها، خصوصاً أن كل القضاة المعينين في مراكز حساسة، تمت تزكيتهم من مراجع سياسية في البلاد".
السفير الألماني يهدّد القضاء
وفي السياق، ذكرت "الاخبار" بان آخر جلسات مجلس القضاء الأعلى أمس لتعيين قاضٍ رديف للمحقّق العدلي في قضية مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، شكّلت دليلاً إضافياً على بلوغ رئيس المجلس القاضي سهيل عبود مستوى متقدماً في مدّ فتائل للتفجير المؤجل. نكثَ عبّود بوعدٍ قطعه في جلسة الثلاثاء الماضي بأن تكون جلسة الأمس مخصصّة للتصويت على الاسم الذي أرسله وزير العدل هنري خوري (قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار) كقاض رديف، فرفض افتتاح الجلسة، رغمَ اكتمال النصاب، مُهدداً بـ "الانسحاب، ومعه القاضي عفيف الحكيم، في حال أراد أعضاء المجلس التصويت على اسم نصار"، مانعاً تسجيل محضر.
لكن رفضه المتكرر لم يمُر هذه المرة مرور الكرام، واستحالَ نقاشاً حاداً مع القضاة الحاضرين بأن "ما يفعله غير قانوني وأنهم أعضاء في مجلس القضاء ويحق لهم التصويت، ولا يجوز له اختزال المجلس بشخصه ممارساً ديكتاتورية مطلقة".
احتدّ عبّود، وبدا متوتراً جداً، خصوصاً أن القضاة (لا سيما القاضي حبيب مزهر) حاصروه بوقائع عديدة رداً على اتهامه نصار بأنها "عونية"، مشيرين إلى أنه "صارَ واضحاً توجهه السياسي"، وإلى أنه "طرحَ أسماء عدة رديفة للبيطار كلها تدور في فلك حزب القوات اللبنانية"، فضلاً عن اللقاءات الدورية التي يُجريها مع سفراء أجانب مهتمين بالملف.
ولما توجه إليه أحد الحاضرين بسؤال: هل استقبلت أمس السفير الألماني في بيروت وسمعت تهديداً بفرض عقوبات عليك في حال تم السير بتعيين نصار؟ التزم عبود الصمت ورفض التعليق. وسأله مزهر: "ما الذي يمنع تسمية نصار ولتبادر إلى درس ملفات بعض الموقوفين، ولن يحصل شيء إن أطلقت سراح بعضهم؟"، فرد عبود: "لست خائفاً من أن تقوم بتخلية سبيل موقوفين، بل أخشى أن تبادر إلى استرداد مذكرات التوقيف الصادرة بحق الآخرين"، في إشارة إلى الوزراء والنواب.
دور ألماني مشبوه
واوضحت "الاخبار" بانه جدير بالذكر أن هذه الجلسة أتت بعدَ أيام من حركة دبلوماسية قادها سفراء غربيون للاستفسار عن قرار القاضي الرديف، على رأسهم السفير الألماني أندرياس كيندل الذي زار وزير العدل هنري خوري ثم رئيس مجلس القضاء الأعلى. وأبلغ السفير الألماني خوري أن تعيين قاض رديف يهدد سلامة التحقيقات ويعتبر تدخلاً من قبل السلطة في عمل القضاء، فردّ وزير العدل: "لدينا موقوفون لم تدرس طلبات إخلاء سبيلهم، وبعضهم قد يموت قبل خضوعه للمحاكمة. لو كانت هذه الحالة في بلادكم، كيف كنتم ستتصرفون؟"، فردّ كيندل بأن هذا لا يبرر تعيين قاض رديف و"المجتمع الدولي سيكون مضطراً للمطالبة بتدويل التحقيق".
ولدى زيارته عبود، يبدو أن السفير الألماني كان أكثر صلافة. إذ سربت مصادر قضائية رفيعة أن عبود سمع "تهديدات مباشرة بأن الاتحاد الأوروبي سيفرض عقوبات على أي قاض يشارك في تعريض التحقيقات التي يجريها القاضي طارق البيطار للخطر" مع إشارة مباشرة إلى فكرة تعيين قاض رديف.
ولفتت صحيفة "الاخبار" الى ان الاهتمام الألماني الخاص بات يثير علامات استفهام كبيرة في الوسط القضائي. إذ تشير أوساط "العدلية" إلى "أن السفير الألماني يوحي وكأن الملف صار في عهدة الألمان نيابة عن الأميركيين وبقية الأوروبيين".
وذكّرت هذه الأوساط بالدور المشبوه الذي لعبه الألمان في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بدءاً من تسريبات مجلة "دير شبيغل" وصولاً إلى الدور الذي لعبه كبير المحققين ديتليف ميليس بالتعاون مع شخصيات لبنانية جهدت لتركيب وتلفيق تهم لضباط ومسؤولين لبنانيين وسوريين وقيادات في حزب الله.
وكان لافتاً أن الصحيفة الألمانية التي ادعت عام 2009 أن "لدى المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري أدلة على تورط حزب الله في عملية الاغتيال"، هي نفسها التي زعمت في تقرير لها، في آب الماضي، بالتعاون مع مشروع التغطية الصحافية لأخبار الجريمة المنظمة والفساد "وجود علاقة بين مالك السفينة التي حملت شحنة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وحزب الله".
ولأن لا شيء يأتي بالصدفة، ولأن مسلسل استهداف الحزب والمقاومة مستمر منذ عام 2005، اعتبرت مصادر معنية أن "المخاوف من محاولة إلصاق تهمة تفجير المرفأ بحزب الله باتت مشروعة"، كاشفة عن "تنسيق وثيق بين السفير الألماني وموظفة ألمانية تعمل في مكتب الأمم المتحدة في بيروت معروف عنها عداؤها الكبير للحزب"، مع الإشارة إلى أن "جزءاً من التقارير التي يتلقاها المكتب يأتي من الكيان الصهيوني"، وقد تكون هناك "محاولات لاستبعاد فرضية أن تكون إسرائيل قد نفذت عدواناً على المرفأ وإلصاق التهمة بحزب الله".
وتساءلت المصادر: "لماذا يهتمّ السفراء الغربيون بقرار تعيين قاضٍ رديف إلى هذا الحد ويجهدون في منع تنفيذ هذا القرار؟ وهل هناك تلاعب قامت به جهات سياسية وقضائية من بينها عبود والبيطار لا يراد لأي قاضٍ أن يكشفها؟ أم أن عبّود وفريقه يريدان الإبقاء على الموقوفين رهائن حتى لا يظهر التحقيق الذي أجراه البيطار فارغاً من أي معطى؟".